المعادلة السحرية لعملية الشراء
تسويق عاميعتبر “قرار الشراء” الذي يقوم به العميل لاقتناء منتج شركة ما دون غيرها من أهم القرارات الواجب دراستها عند التخطيط لتسويق منتج جديد أو رفع مبيعات منتج موجود فعلاً.
فأولاً يعتبر القرار من صميم عملية التسويق نفسها وثانياً يساعد على اكتشاف الأسباب الحقيقية التي أدت قيام العميل لشراء المنتج واستثمارها لاحقاً لحثه على تكرار العملية وجعل المنتج في طابق و بقية المنافسين في طابق آخر. ولكي نختصر الموضوع يمكن تبسيط ” قرار الشراء” الذي يقوم به العميل بالمعادلة المختصرة التالية:
المكافأة
المقصود المكافأة هي الفوائد التي يحصل عليها العميل من جراء أقتنائه المنتج نفسه، على سبيل المثال يعتبر المبلغ الذي يوفره العميل جراء اقتناء سيارة أقتصادية مكافأة تصب في مصلحة قرار شرائها وعلى نفس المنوال يعتبر شراء سيارة فخمة مثل “رولز رويس” مكافأة من نوع أخر لعميل أخر لأنها تضعه ( من وجهة نظره) ضمن نادي النخبة وترفع من مكانته الإجتماعية …إلخ . ولكي نفهم أكثر حول هذه مفهوم المكافأة ودورها في ترجيح قرارات الشراء دعونا نقسم هذه المكافاة إلى نوعين من القيم: الأولى تسمى القيم الصريحة والثانية القيم الضمنية.
قرار الشراء = (القيمة الصريحة + القيمة الضمنية) – الألم
القيمة الصريحة هي الميزات الأساسية التي يجب أن يتضمنها المنتج ولا نجد مبرر للاقتناء المنتج دونها على سبيل المثال تعبر مقاعد السيارة المريحة قيمة أساسية وكذلك المحرك السيارة الكفؤ وقطع التبديل المتوفرة وخدمة الصيانة الجيدة جميعها قيم أساسية لا يمكن الاستغناء عنها وتتميز أن العميل يستطيع تذكرها بسهولة وأجراء المفاضلة على أساسها عند قراره شراء سيارة جديدة .
أما القيمة الضمنية فهي على عكس القيمة الصريحة يدركها العميل ولكن لا يعرف كيف يعبر عنها بصراحة وإذا عدنا للمثال السابق الخاص بالسيارة نجد أن العميل قد يرغب باقتناء السيارة لمميزاتها العالية مثل السيارة الرياضية ولكن في نفس الوقت يرغب بها للفت انتباه الفتيات في الحي الذي يقطنه أو يرغب بشراء سيارة دفع رباعي يشعر معها بالقوة والسيطرة على الطريق.
تعتبر القيمة الضمنية من الأمور الهامة جداً بالتسويق ليس فقط لأنها تمنح التميز للمنتج بل أيضاً تجعل تقليدها أمام المنافسين صعبة للغاية وأكبر مثال هو ما فعلته شركة الدراجات هارلي ديفيدسون حيث خلقت هالة خاصة حول منتجاتها جعلت مستخدميها يشعرون بالتفوق عن أقرانهم من مستخدمي الدراجات الأخرى مثل هوندا على سبيل المثال.
الألم
تحدثنا سابقاً عن المكافأة وكيف أنها المتغير الأول من معادلة “قرار الشراء” التي تعطي العميل الفوائد التي يرغب بها جراء أقتنائه للمنتج أو الخدمة نفسها. ولكن ماذا عن المقابل ” الألم” الذي يجب على العميل دفعه مقابل هذه الفوائد وهل هي تقتصر على ” المال أو السعر” كما هو معروف لدى أغلب الناس . دعونا نقسم هذا المقابل “الألم” إلى 3 مكونات رئيسية ونشرح القليل عنها:
قرار الشراء = (القيمة الصريحة + القيمة الضمنية) – (السعر + الوقت + الجهد)
الألم الأول : السعر
وهو المقابل النقدي الذي يدفعه العميل مقابل الحصول على المنتج أو الخدمة ، مثلاً عندما تقرر أن تشتري هاتف جوال من نوع ايفون فأنت تدفع مبلغ ألف دولار سعراً لهذا المنتج. لاحظ هنا أننا لم نتكلم عن طريقة الشراء التي ربما تكون بأخذ سيارة أجرة والذهاب للمتجر وشرائه أو طلبه بواسطة موقع أمازون وأنت جالس في بيتك . ولا عن الوقت الذي أستغرق للوصل إليك سواء حصلت عليه مباشرة لحظة دفع لصاحب المتجر أو أنتظرت لحين وصوله إليك بواسطة شركة الشحن من الولايات المتحدة الأميركية إلى بلدك لأكثر من أسبوع. هنا نتكلم عن شيئ واحد فقط لا غير هو المقابل النقدي “السعر” الذي دفعته مقابل الحصول على هذا المنتج وهو جهاز الأيفون.
هل الثمن المرتفع مرتبط بالجودة؟
هناك اعتقاد شائع بين الناس أن الجودة مرتبطة بالسعر أي كلما زادت جودة المنتج من المفترض أن يزيد سعره والعكس صحيح طبعاً، في تجربة قامت بها عالمة الاقتصاد السلوكي “هيلكة بلاسمان Hilke Plassmann” لتحديد تأثير السعر على المستهلك طلبت من مجموعة من المشاركين شرب أنواع مختلفة من النبيذ مدون عليها أسعار مختلفة بعضها بسعر منخفض والاخر بسعر مرتفع وقامت بنفس الوقت بتصوير أدمغتهم أثناء التجربة بجهاز التصوير الدماغي، لاحظت العالمة الألمانية أن “مركز المكافأة” في أدمغة المشاركين عطت نشاط أكبر عند تذوقهم النبيذ مرتفع الثمن وترافق ذلك مع تعبيرهم عن الإعجاب به وقالوا أن طعمه أفضل بكثير من بقية الأنواع ولكن السر الذي لم يكونوا على إطلاع عليه أثناء الأختبار أنهم كانوا يتذوقون نفس نوع النبيذ الموجود في القوارير منخفض السعر. وبالتالي لم يدركوا أنهم تأثروا بمصيدة السعر بدون وعي منهم . وهذا يقودنا للفكرة الاولى وهي أن الناس مازالت للآن تربط الجودة بالسعر وتعتبرهم شيء واحد.
الألم الثاني: الوقت
الانتظار وهو الفترة الزمنية التي يستغرقها انتقال ملكية السلعة من التاجر إلى العميل، في العصور الماضية كان هذا الوقت شبه معدوم حيث جميع العمليات التجارية انية يقوم الشخص بتقديم النقود للبائع وبنفس اللحظة يأخذ حاجته وينصرف، اليوم برزت الكثير من السلع التي يتطلب تملكها فترة زمنية أطول على سبيل المثال تصميم بدلات العرائس يستغرق شهور بينما وبيع الطائرات يستغرق سنوات … إلخ.
القاعدة الثابتة التي يجب أن نتعلمها هي أن لا أحد يرغب بالانتظار مدة طويلة بل والجميع يعتبرها عائق مثلها مثل الأسعار المرتفعة وحتى أنا شخصياً من فئة الأشخاص التي ليس لديهم رغبة انتظار أسبوع كامل لإستلام جهاز آيفون من موقع أمازون في حين يمكن شراءه في نفس اللحظة من أقرب متجر إلكتروني بغض النظر عن السعر الأعلى قليلاً.
من الأمور المهمة التي يجب على المسوقين التركيز عليها لتقليل فترة الانتظار المستغرق لتسليم المنتج هي صرف نظر العميل عن الوقت المتبقي بأشغاله بأمور ثانوية جميلة محببة له فعلى سبيل المثال بعض المطاعم تقدم على طاولة الزبون نوع من أنواع المقبلات المجانية لحين تحضير طعامه وتقديمه كما تقوم بعض البنوك بتخصيص مقاعد مريحة وخدمة إنترنت مجانية من أجل عدم شعور المراجعين بالضيق والملل. طبعاً يوجد الكثير من الأفكار والأساليب التي تعتمد على نوع نشاط الشركة ومجالها.
وحتى في عالم التجارة الإلكترونية يوجد هذا الأسلوب تحت مسمى (Actual Moment Of Truth) حيث ينصح مبتكر هذا المصطلح Amit Sharma أثناء الفترة الفاصلة بين طلب المنتج واستلامه بالتواصل مع العميل وتقديم النصائح والأفكار حول إستخدام هذا المنتج وفوائد سواء كان التواصل عن طريق البريد الإلكتروني (أو الواتساب حالياً وهو الأفضل) أو بواسطة شبكات التواصل الإجتماعي
الألم الثالث: الجهد
ذكرت سابقاً في فقرة “الألم الثاني “الوقت” أنني من الأشخاص الذين يفضلون شراء جهاز الايفون من المتجر الإلكتروني الموجود في المدينة التي أقطن بها على أن أنتظر أسبوع لحين وصوله من الولايات المتحدة إذا ما طلبته عن طريق موقع أمازون، ولكن ماذا لو كان هذا المتجر الموجود في مدينتي يستغرق الوصول إليه ساعات من الإنتظار في زحمة الطرق أو كان المتجر يغلق قبل أنتهاء فترة عملي؟ غالباً لن أشتريه مباشرة أو أؤجل عملية شراءه نهاية الأسبوع القادم بسبب الجهد والتعب في الحصول عليه.
ولكن ماذا لو كان يوجد متجر آخر في المدينة يقدم خدمة توصيل نفس الهاتف لباب المنزل بنفس اليوم والدفع نقداً عند الإستلام بدون أي بطاقات إلكترونية أو تسجيل حساب مستخدم في موقعه الإلكتروني؟ بلا شك ساشتري فوراً دون أية تأخير فهذا الخيار هو الأفضل لأنه أختصر علي وعلى قسم كبير من العملاء الجهد البدني والفكري في سبيل الحصول على المنتج بشكل نهائي.
إذاً كلما قللنا الجهد المبذول من قبل العميل في الحصول على المنتج كلما زاد أحتمال شراءه، وهذا الجهد يشمل الجهد البدني أو الذهني ومن أشهر الأمثلة لشركات قللت هذا الجهد والتعب هي شركات المفروشات (باستثناء إيكيا) فأغلبها تقدم خدمة نقل وتركيب الاثاث داخل منزل العميل لأنها تعرف أنها عملية متعبة وطويلة عليه وكذلك شركات السياحة التي تقوم بتخطيط الرحلات السياحية من الإقامة في الفنادق إلى الطعام إلى اختيار الأماكن الترفيهية حتى تقلل الجهد المبذول من قبل العميل في البحث و تدعه يستمتع برحلته فقط.